|+*| وضمت القبر وسط قلبها |*+|

|+*| وضمت القبر وسط قلبها |*+|



الظهيرة... شمسها تحكي قصة...
بل تحكي رواية التاريخ...

هناك في ظلال النخيل يتوقف القلم...
أرفع قلمي عن أوراقي...
وأتركها تتحدث... وتحكي...

تمر الدقائق وأنا أتأمل... وأنتظر لحظة البداية...
لحظة سماع الرواية...

لا... لا أريد سماعها!..
بل أريد أن أرى الأحداث بعيني...
وأحفظها في ذاكرتي...
لتبقى حاضرة أمامي دوماً...

منذ زمن وأنا أنتظر تلك اللحظة...
ولم يظهر لي شيء من الأحداث...
أحداث سمعت عنها كثيراً...
ولم أمل منها... ولن أمل أبداً...

أريد أن تتجسد أمامي...
أشارك بها...
أشارك أصحابها المأساة... وأشاركهم أجر المصاب...

أفقت من ترحالي بين الأمنيات والأحلام على وقع خطوات منهكة...
خطوات امرأة تعبة...
يكسوها السواد... يكسوها الألم والحزن...

تمشي بين تلك القبور التي كنت أجلس أمامها...
وذلك النهر الممتد بجانبي...

تمشي على تلك الرمال الذهبية...
لكنها حمراء في نظري... لما حدث عليها من ملحمة...

تسير بوهن على شاطئ الإيثار...
تجلس تارة هنا... وتارة هناك...

تأخذ حفنة تراب من على أحد القبور...
تشم عطرها وعبيرها... والدموع تغسل وجنتيها...

تجلس على تلة بغير بعيدة...
تبكي وتنوح... تعانق الرمال...
تومئ بيديها نحو السماء... تخرج من بين أنفاسها كلمات الدعاء...

سألت نفسي
[[ من هذه السيدة؟!. أهي الحوراء أم مولاتي الزهراء؟!.]]


تذهب إلى تلك القبور المتباعدة عن بعضها البعض...
ترمي بنفسها على قبر وتبكي بحرقة وألم...
وكأن صاحبه عزيز عليها...

اقتربت منها... ولازلت في تساؤلاتي عمن تكون...
ومع كل خطوة أخطوها إليها... يتقطع قلبي لرؤيتها هكذا...

:" اذكري الله ياخالة... "

تلفتت لترى من صدرت منه هذه الكلمات...
بعينين غارقتين في بحر الدموع...

:" لا إله إلا الله... "
قامت من مكانها وهي تكررها مرات ومرات...
وهي ذاهبة إلى قبر آخر... تتعثر...
لكنها تثوي عنده...


ارتمت عليه وأجهشت بالبكاء...
وقد كانت أكثر جزعاً...
خفت عليها بفعلها هذا...


حاولت التخفيف عليها بسؤالي
:" قبر من هذا الذي تبكين عليه؟!. أهو ابن لك؟.."


تنظر إليّ... نظرات متعبة...
وعينين حمراوين... من شدة البكاء...
وتحمل فيها الكثير من الجزع... والألم...


للحظات اعتقدت بأنها الزهراء...
سيدة نساء العالمين...
فهذا قبر الحسين بن عليّ...


وللحظات أخرى شككت بأنها سيدتي الحوراء زينب...
تندب أخاها...


في عينيها متاهة من الآلام... تهت فيها...


وبصمت أخذني التفكير والتساؤل إلى بنات الشهيد الغريب...
[[ أهي سكينة؟.. أم رقية طفلته ذات الأربعة أعوام؟!. ]]


كل من أتى اسمها بذاكرتي... فارقت الحياة منذ زمن...
لكن أرواحهن لازالت تحوم على الأرض...


وهذه الدموع لا ترى إلا بعيون عرفت الحسين حق معرفة...
وقلوب لا تجزع عليه بهذا القدر...
إلا قلوبا تجرعت مرارة سفك دماء الحسين فعرفت الحق المهدور...


قطع تفكيري صوتها الباكي...

:" إنه قبر الحبيب... قبر الشهيد الذي وعدت به...
هذا القبر يحوي جسد الحسين الشريف... "


اقتربت منها أكثر... جلست بجانبها...
أشاركها العزاء...
أعزيها بدموعي التي سالت حين ذكرت اسم الحسين...


:" إنني أعرف بأنه قد قتل عطشان... قتل مظلوماً... قتل ولا ناصر معه...
إنني أعرف بأنهم قد جعجعوا به إلى هنا... وحاصروه...

سمعت بأن جسده قد قطع إرباً إرباً...
مثّلوا بجسده الشريف... رفعوا رأسه على القنا...

وفعلوا به الكثير الكثير... فعلوا ما لايقوى لساني على نطقه...
سبيت عياله ونسائه... بعد قتله...
وبكيت لسماع كل هذا...

لكنني أود لو أعرف ما يجعلك تبكين هكذا!..
فربما يكون أعظم مما سمعت..."


تسمع كلماتي... وهي تضم القبر بين يديها...
تضم القبر وسط قلبها...

:" إنه ذكر الحسين هو مايبكيني...
اسم الحسين يدميني...

في كل حرف منه أذكر ظلم آل أمية له...
في كل حبة رمل من هذه الرمال أرى الواقعة أمام عيني...
وفي كل قطرة ماء من الفرات أجد دموع مولاتي زينب فيها...
وأرى دماء العباس ترسم الحرب بقطراته..."


أتت بكلمات قطعت قلبي...
:" من أنت ياخالة!.. أود لو أسمع وأرى ما ترين..."


أَخذَت نفساً عميقاً... أخرجته بزفرة حرى...
أحسست بأنها قطعت ومزقت كلما مرت به في جوف هذه المرأة...


أطلقت من عينيها المزيد من الدموع...
ونظرت إليّ...


لم أستطع إطالة النظر في تلك العينين المحمرتين...
كدماء تلونها...


لكن هناك شيء بها يشدني...
يشدني لأمعن النظر فيها... وأقرأ ما يحتويها...


في ذلك السواد اللامع... رأيت ماترى تلك السيدة...
في تلك الدموع رأيت ما يجعلها تبكي ألماً وجزعاً...
وتجهش بالبكاء...


رُسمت في عينيها...
حرب... وقتلى...
أطفال... وسبايا...
ظلم... وجور...


آلام الحسين تجسدت في تلك العينين...
دماء الحسين سفكت...

واعتدى بنو الطاغوت على حرمته...
أودية من الدماء... سالت...
صرخات ثكلى شقت طريقها إلى أذني...


قطعت يد العباس... وشجت قربة الماء بيده...
ضربت هامته الشريفة...
فانكسر ظهر الحسين بسقوط قمر الهاشميين...


ضم الحسين رضيعه إلى قلبه... رفعه أمام القوم يعلن عطش الطفل...
فيسقى بسهم مشعب في نحره الصغير...


وبكاء طفلة عطشى...
[[ أبي أين عمي العباس؟!. أبي أريد شربة ماء... ]]


فيحتار بالجواب... يحتار بعطش عياله... بعطش جواده...
وقد بقى وحيداً فريداً...
أصحابه قد قتلوا... وجثثهم متناثرة حوله...
أبناؤه قد قتلوا... وأخوته لحقوا بهم...
فيَهم هو باللحاق بهم...


لكن أخته توقفه...
[[ عندي أمانة من أمنا لهذا اليوم ياأخي...]]
قبلة على نحره... وأخرى على صدره...


يضمها إلى صدره... ويمسح عليها...
[[ الصبر يازينب... عليك بالصبر يا أخيه... ]]

ويلتحق بمن سبقوه... وآثروا الموت على العيش دونه...
يُحاصَر... يُضرَب... يرمى بالسهام... يشج جبينه...
تسيل دماء قانية على وجهه...
فتُخضب لحيته الشريفة...


وأخيراً على ذاك الصدر... محل قبلات جده الرسول...
يجثو الشمر اللعين...
ليمرر خنجره على نحره الطاهر...
ويمسك برأسه ليرفعه أمام أعين القوم...
وأمام أعين نساء ثكلى... ويتامى فجعوا بالمنظر...


عندها البكاء يشتد...
فتتهاوى السياط على ظهور بنات الطهر...
وأرجل ترتفع لتضرب أجساد الأطفال...
وتطيح بهم على الأرض يبكون...
وتجري الخيول هناك... لتضرب بحوافرها
جسد الشهيد...


صيحات الفرح تتعالى عند الأعداء...
وصرخات الخوف والجزع خلف خيام محترقة...


ويسير الركب أسيراً نحو الشام...
ركب الإباء قد سار إلى طاغية العصر...
مكبلين بالأغلال...


أحسست بروحي تخرج من بين جنبي...
أحسست بها تتقطع بعد ما رأيت...
ودموعي تأبى الانصياع لكفي...


:" هل عرفت الآن من أكون؟!. "

عدت للحاضر... عدت لأرى نفسي عند تلك السيدة...
أبكي... وأجهش بالبكاء...
وجسدي ملقى على الرمال...
أتمنى لو أكون حبة رمل منها...تضم هذا الجسد الطاهر...


أردفت السيدة قائلة...

:" إنني أرض كما أنت بقعة أرض...
هل تعرفين الأرض التي وعدت بطهر تكسبه من دماء الشهيد؟!.


أنا الأرض التي ضمت جسد الشهيد...
أنا بقعة الأرض التي تشرفت بجسد المظلوم...


أنا الطف...
الذي عرف الحسين...


أنا أرض المنايا...
التي قتل عليها الحسين مع أنصاره وأهله...


أنا كربلاء...
التي تشربت دماء الحسين... بعد أن سفكه بنو البشر...
ولم يصونوا حرمته...


أنا كربلاء...
التي شهدت الملحمة الحسينة...
والتي دُون على رمالها رواية التاريخ الحسيني...


أنا كربلاء...
أيتها الأرض المجهولة... فهل عرفتني الآن؟!."


رمالي تحدثت إليها...
هنيئاً لك ياكربلاء... هنيئاً لك ذلك الشرف العظيم...
هنئياً لك جسد تضمينه وسط قلبك...

| +* +* +* |






|| حديث بين حبات رمل... وكربلاء... ||

هنيئاً لك ياكربلاء... هنيئاً لك ذلك الشرف العظيم...
هنئياً لك جسد تضمينه وسط قلبك...

يسلمووووو

يسلموووووو على القصه الرائعه

هنيئاً لك ياكربلاء... هنيئاً لك ذلك الشرف العظيم...
هنئياً لك جسد تضمينه وسط قلبك...

الله يسلمكم جميعا

السلام على الجسد المدفون في تلك الارض الطاهره

ربي يعطيك الف عافيه

مشكووور ع الطرح


ونسأل الله أن يرزقنا زيارة هذه الأرض الطاهرة


وتسلم ع الطرح