أحب في البداية أن أنبه القارئ إلى أني لست عضوا في فريق التواصل الإلكتروني التابع لوزارة الخارجية الأمريكية للتواصل مع العرب والمسلمين عن طريق الإنترنت ، فأنا لست سوى مواطن أمريكي عربي يعتز بهويتيه الأمريكية والعربية ويرغب في توضيح بعض الأخطاء التي يتعامل بها بعض العرب مع الثقافة الأمريكية وبعض الأمريكان مع الثقافة العربية
شاهدت قبل عدة أيام فيلم (أوباما أطلق حميدان) الذي أعده مجموعة من الناشطين السعوديين في رسالة موجهة إلى الرئيس الأمريكي (باراك حسين أوباما) يناشدونه فيها أن يعفو عن السجين السعودي (حميدان التركي) المدان في القضاء الأمريكي بعدة تهم (منها الاغتصاب والعبودية) والذي يقضي محكوميته (28 سنة) في سجن ولاية كولورادو ابتداء من آخر شهر أغسطس 2006م ، وفي الحقيقة فإن الفيلم يتضمن أخطاء تاريخية وقانونية وقضائية وثقافية ومنطقية متعددة ويعاني من فقر معرفي تام لكثير من المبادئ الأساسية في الثقافة الأمريكية ، ويؤسفني كمواطن أمريكي أن أقول أن الأثر الذي يتركه الفيلم على المواطن الأمريكي البسيط ذي الثقافة المتوسطة سيكون سلبيا أو سلبيا جدا ، ولكني أجزم أن الأثر سيكون أكثر سوءا في نظر المثقفين الأمريكان ومنهم السيد الرئيس باراك أوباما خريج قسم القانون في جامعة هارفارد (أرقى جامعات التاريخ) وأستاذ التاريخ والقضاء والقانون والثقافة لأكثر من 10 سنوات قبل انضمامه لمجلس الشيوخ الأمريكي !
يوجد عدة نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار قبل سرد الأخطاء المتعددة في الفيلم1. تمت محاكمة السيد التركي في محكمة مقاطعة أراباهو في ولاية كولورادو ، وتمت مصادقة الحكم في محكمة كولورادو العظمى وفي المحكمة الأمريكية العليا “Supreme Court” ، وباتفاق المحاكم الثلاث على إدانة السيد (التركي) وإقرار العقوبة المقررة في حقه يكون السيد (التركي) مذنبا في نظر الحكومة الأمريكية والقضاء الأمريكي والإعلام الأمريكي والشعب الأمريكي متضمنا الرئيس الأمريكي ، وسجله المدني والحقوقي الآن يثبت اقترافه لجريمتي الاغتصاب والعبودية وهما جريمتان كبيرتان جدا ومرفوضتان تماما في المجتمع الأمريكي ولا يحصل مرتكبهما على تعاطف من أي نوع من أفراد المجتمع . وقد أحببت التأكيد على هذه المعلومة في بداية إدراجي لأني قرأت رسالة أخرى موجهة إلى السيد الرئيس الأمريكي تصف السجين (حميدان التركي) بأنه (متهم!) وهذا وصف غير صحيح لوضع السيد (التركي) القانوني الحالي لأنه (مدان) ويمضي محوميته التي أقرها القضاء الأمريكي بسبب الجرائم التي أدين بها .
2. تقوم الثقافة الأمريكية على مبدأ المساواة في الحقوق بين الأفراد بغض النظر عن جنسياتهم وأجناسهم وأعراقهم وأحوالهم المادية ، فيقف الرئيس الأمريكي موقف المساواة أمام المحكمة مع أي مواطن أمريكي صغير ، ويتعامل القضاء الأمريكي بمساواة مع من يتقدم إليه سواء كان رئيسا أم وزيرا أو عضوا في مجلس الشيوخ أو نائبا أو حاكما لولاية أو عمدة وسواء كان أمريكيا أم غير أمريكي وسواء كان ذكرا أم أنثى من أي شريحة أو طبقة أو ولاية أو عرقية أو ديانة . الجميع سواسية كأسنان المشط في نظر القانون الأمريكي !
3. يقوم النظام السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية على مبدأ فصل السلطات الثلاث: القضائية والتشريعية والتنفيذية ، فالكونجرس يشرّع والحكومة تنفذ والمحاكم تفصل بين النزاعات ، ولا يحق للرئيس الأمريكي أن يقوم بإصدار حكم على أحد المواطنين كما لا يستطيع القاضي أن يعدل مادة من الدستور ، وبالرغم من الحضور الشديد لهذه المعلومة في وعي المواطن الأمريكي إلا أنها غائبة عن وعي كثير من العرب الذي يعتقدون أن القضاء الأمريكي يخضع لإملاءات من الحكومة الأمريكية أو وكالة المخابرات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالية أو أي جهة أخرى ، وهذا اعتقاد خاطئ لا أساس له من الصحة . ولو كان تلفيق الأدلة ممكنا لتم تلفيق أدلة لإدانة السيد (فيصل عبد الرؤوف) إمام المركز الإسلامي الذي سيتم إنشاؤه قرب حطام مبنى التجارة العالمي في نيويورك نظرا لكثرة المعارضين على اختيار موقع المركز .
4. العالم اليوم قرية صغيرة والتكنولوجيا تكلفت بنقل الأخبار والأحداث لحظة بلحظة والقنوات التلفزيونية تملأ الفضاء ببث لا ينقطع ، والمجتمع الأمريكي مدمن على مشاهدة التلفزيون حيث تشير إحدى الإحصائيات إلى أن متوسط الوقت الذي يمضيه الفرد الأمريكي الموظف ذو العائلة يقترب من 2.8 ساعة يوميا متنقلا بين القنوات التلفزيونية التي تبحث عن الأخبار الغريبة والمدهشة التي تجذب المشاهد إليها ، وتتمتع المملكة العربية السعودية برصيد عال من الأحداث الغريبة التي تجذب كاميرات ومايكروفونات الكرة الأرضية نحوها كما يفعل المغناطيس بالحديد ! خصوصا فيما يتعلق بحقوق المرأة والأطفال والعمال . وعلى سبيل المثال تجد الآن معظم أفراد الشعب الأمريكي على دراية بما حدث للخادمة السيريلانكية التي غرز مديرها السعودي 24 مسمار في جسدها بالرغم من أنه لم يمض على الحادثة إلا عدة أيام . وبالإضافة إلى التلفزيون فإن الأمريكان يتعاملون مع الإنترنت باحترافية أكبر من العرب سواء في تلقي المعلومات أو في نشرها . وهناك مدونات كثيرة لأمريكان مقيمين في المملكة العربية السعودية ينشرون فيها مشاهداتهم اليومية الغريبة الطريفة .
5. العفو الرئاسي حق يمنحه الدستور للرئيس الأمريكي للعفو عن المدانين في المحاكم الفيدرالية فقط (الجرائم على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية كدولة) وهو حق يمارسه الرؤساء الأمريكان (بكثرة) وقد تم إصدار عشرات الآلاف من قرارات العفو عن مدانين في المحاكم الفيدرالية في التاريخ الأمريكي ، وبالرغم من أن الدستور يعطي الرئيس حق إطلاق العفو (في أي وقت) إلا أن الغالبية العظمى جدا من حالات العفو تصدر بعد تنفيذ العقوبة (انتهاء فترة المحومية للسجين أو دفع الغرامة المالية إن وجدت) لأن الهدف الأساسي من العفو هو محو الإدانة من السجل المدني للمدان . أما بالنسبة للجرائم الداخلية على مستوى الولايات فإن دستور كل ولاية يعطي الحق لحاكم الولاية بالعفو حسب ضوابط وشروط محددة وهذه الضوابط والشروط تختلف من ولاية لأخرى .
يمكن الاطلاع على أسماء من حصلوا على العفو الرئاسي عبر التاريخ الأمريكي في هذا الرابط
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of…ates_president
قمت بطرح هذه النقاط لتهيئة القارئ الكريم لتقمص دور الأمريكي الذي يشاهد الفيلم . فتخيل نفسك عزيزي القارئ مواطنا أمريكيا فخورا بقانون بلاده الذي يحترم الحريات الشخصية ويقدس حقوق وكرامة الإنسان ورأيت وافدا سعوديا ثريا في بلدك يحتجز وافدة إندونيسية صغيرة فقيرة في بيته ويستعبدها بإجبارها على أداء أعمال شاقة بلا أجر وبتقييد حريتها التي يوفرها قانون بلدك لهذه الوافدة ، ويقوم باحتجاز جوازها وإجبارها على الإقامة في قبو منزله بلا غرفة نوم ، وبعد هذا كله يتحرش هذا الوافد السعودي (المتزوج) بهذه المرأة الضعيفة وتنتهي به التحرشات إلى ممارسة الجنس معها بالإكراه ، وأنت تعرف جيدا أن ممارسة عبودية العمالة منتشرة في المملكة العربية السعودية التي لا توفر لهم القدر الأدنى من الحقوق الإنسانية ، ثم تمت إدانة هذا الوافد السعودي في ثلاث محاكم رفيعة المستوى في بلدك واحدة منها هي أعلى سلطة قضائية في بلدك كلها والتي لا يتم تعيين القضاة فيها إلا بترشيح مباشر من الرئيس الأمريكي وبموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي ، ويخدم القاضي فيه مدى الحياة حتى يتقاعد باختياره .
فتفضل الآن عزيزي القارئ العربي كي تشاهد الفيلم بعيون مواطن أمريكي:0:00 يبدأ الفيلم بظهور رجل الدين السعودي (السني) الدكتور (سلمان العودة) وهو يقول : (هذه مناشدة للرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما حول المواطن السعودي حميدان التركي) وتلاه بقليل ظهور رجل دين سعودي (شيعي) يقدم نفس المناشدة ، وإقحام رجال الدين في هذه المناشدة يقدم رسالة للشعب الأمريكي أن إذلال العاملات واستعبادهن واغتصابهن أمر مشروع في الإسلام بدلالة مشاركة رجلي دين ينتميان لمذهبين مختلفين ولكنهما يتفقان في المطالبة بالعفو عن من مارس هذه الجرائم على الأراضي الأمريكية . إن مشاركة هاتين الشخصيتين أضاف بعدا دينيا للقضية كان من المفترض أن يتم تجنبه . هذا فضلا عن أن تخصص رجل الدين لا يجعل منه شخصا استثنائيا في نظر المجتمع الأمريكي ولا يجعل مناشدته تحمل قيمة أعلى من مشاركة شخص آخر في تخصص مختلف .
إن أقل ما يتوقعه المشاهد الأمريكي من رجلي الدين هو أن يدينا الجرائم التي اقترفها مواطنهم وأن يعلنا براءة الإسلام منها وأن يثبتا من المصادر الإسلامية أن الدين الإسلامي يحث على الرحمة والإحسان ويجرم الخيانات الزوجية حتى يكون لمشاركتهما قيمة إيجابية تضاف إلى الفيلم بدلا من القيمة السلبية الحالية لها .
0:19 يظهر عنوان الفيلم (أوباما أطلق حميدان) لأول مرة وهنا تظهر عدة أخطاء قانونية وقع فيها من قاموا بإعداد الفيلم وكان من الواجب عليهم الاستعانة بمن يفهم مبادئ القانون الأمريكي لتفادي هذا الكم الكبير من الأخطاء !
* فالرئيس الأمريكي ليس مخولا للتدخل في القضايا الداخلية داخل الولايات لأن صلاحياته محصورة في الشؤون الفيدرالية فقط ، فيجب توجيه الرسالة إلى حاكم ولاية دنفر السيد (بيل رتر) فهو صاحب صلاحية العفو في القضية .
* ينص دستور ولاية كولورادو على أنه يشترط لإصدار العفو عن السجناء أن تمضي ثلث مدة المحكومية أو عشرات سنوات من النطق بالحكم ، وهذا يعني أن قانون ولاية دنفر لا يسمح لحاكم الولاية أن يصدر العفو عن السجين (التركي) قبل بداية عام 2016م
* إصدار العفو لا يتم استجابة لأفلام الفيديو وإنما تم استجابة لخطاب خطي يقوم المدان (أو شخص آخر بالنيابة عنه) بإعداده معترفا بالجريمة ومبديا ندمه على اقترافها .
0:21 يظهر رجل الدين الشيعي الشيخ (حسن الصفار) وهو يقول : (إن هذا الإجراء إذا اتخذه الرئيس الأمريكي -حسب صلاحياته الممكنة- سيترك أثرا وصدى طيبا في كافة أوساط الشعب السعودي بجميع شرائحه وطوائفه)!!!! أعتقد أن هذه الجملة هي أسوأ ما في الفيلم بكامله ! فهي تكشف بوضوح شوفينية معدي الفيلم لأن الهدف من الفيلم هو إسعاد الشعب السعودي بجميع شرائحه وطوائفه ولا بأس من أجل تحقيق هذه الغاية أن يتم جرح مشاعر الشعب الإندونيسي بجميع شرائحه وطوائفه ، وأن يتم قتل كرامة الضحية التي عانت من ممارسات لا إنسانية لعدة سنوات ، وأن يتم خرق الدستور الأمريكي دون مراعاة لمشاعر الشعب الأمريكي بجميع شرائحه وأعراقه ودياناته وطوائفه المختلفة ! إنني مندهش للغاية من هذه المناشدة التي تعتبر أن الشعب السعودي أعلى مرتبة في سلم الإنسانية من غيره من الشعوب !
إن القيم الأمريكية مبنية على الفرد وليس على الجماعة ، والإدانة التي تمت بحق السجين السعودي إدانة شخصية له لا يقصد بها إهانة الشعب السعودي ككل كما أن العفو (إن صدر) فسيصدر عند الاقتناع بأن السجين مستحق له دون اعتبار سعادة الشعب السعودي عند اتخاذ هذا الإجراء .
إن المجتمع الأمريكي ليس مجتمعا اشتراكيا حتى يخاطب بمثل هذا الخطاب .
0:37 تظهر (ربى) ابنة السجين حميدان التركي وهي تتحدث عن ذكرياتها مع أبيها عندما كانت طفلة ويركز مخرج الفيلم على إظهار حزن الفتاة الصغيرة بسبب فقدها لأبيها لاستدرار عطف المشاهد وحزنه ، ولكن لا يظهر المخرج أو الفتاة أو والدها أو رجال الدين أو غيرهم من الشخصيات التي ظهرت في الفيلم أي نوع من التعاطف والشفقة على ما حل بالضحية الإندونيسية أو بعائلتها ، هم مهتمون جدا بالسجين السعودي الذي أمضى 4 سنوات في السجن ولكن لا يهمهم أمر الضحية التي سجنها السيد (التركي) لمدة 5 سنوات في بيته . كل سجين يترك وراءه أفرادا من عائلته يبكون لغيابه فما هو المبرر الذي يجعل دموع الطفلة (ربى التركي) دموعا خاصة ؟! إن الدقيقة الأولى من الفيلم كافية جدا لاستثارة غضب المشاهد الأمريكي بدلا من تعاطفه .
1:01 يظهر السيد (نجيب الزامل) عضو مجلس الشورى السعودي قائلا : (من الأفكار التي دارت في أذهان الآباء المؤسسين الذين أعدوا الدستور الأمريكي كانت تدور حول صنع آفاق أعلى نحو مراتب إنسانية أعلى يسود فيها المحبة والعدل والنظام والعفو) وهذه عبارة إنشائية ذات حدين ، فالعدل والنظام متعلقان بالدستور بشكل أساسي بينما تتعلق المحبة والعفو بالدستور بشكل ثانوي ويتم تقديم الأساسي على الثانوي عند التعارض ، والعفو عن المذنب بلا سبب مخالف للنظام والعدل .
يوجد الكثير من المفاهيم التي حاول الآباء المؤسسون غرسها ولكن الفيلم ينتقي منها (المحبة والعفو) لأنها تخدم جانب الجاني ولكن يتجاهل الفيلم أن قيم (المحبة والعفو) لا تقل مثلا عن قيم (القصاص العادل) والذي يخدم جانب الضحية . ويجدر الإشارة إلى أن أول من يُطلب منه العفو في هذه القضية هو السيدة (سارة الخنيزان) زوجة السجين (التركي) فهي الزوجة التي تمت خيانتها ، فجيب طلب العفو منها قبل أن يطلب من غيرها .
1:18 يبدأ المعلق بسرد بعض حوادث العفو التي أصدرها رؤساء أمريكيون سابقون فيقول : (في عام 1961م أصدر الرئيس الأمريكي جون كينيدي عفوا بحق هانك قرينسبان زعيم شبكة تهريب الأسلحة لإسرائيل .
في عام 1989 أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عفوا بحق أورلاندو بوش المتهم بتدبير تفجير طائرة مدنية .
ي عام 2000 أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عفوا بحق آل شويمر المتهم بتنظيم شبكة تهريب الأسلحة لإسرائيل .
ي عام 2008 أصدر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عفوا بحق تسعة عشر سجينا أدينوا بتهمة استغلال تجارتهم في مساعدة إسرائيل) .
ويوجد هنا بعض الأخطاء التاريخية .
قد عفا الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب عن 75 مدانا خلال رئاسته ولم يكن أورلاندو بَوش أحدهم لأن التهم لم تثبت في حقه ، ولم يتلقى عقوبات أو غرامات مالية والمتهم برئ حتى تثبت إدانته في القانون الأمريكي
وكذلك فإن الادعاء بأن الرئيس السابق جورج دبليو بوش أصدر عفوا عن 19 مدانا في قضايا تهريب أسلحة لإسرائيل ليس دقيقا ، فقد عفى الرئيس السابق جورج دبليو بوش عن 19 مدانا في تهم مختلفة وكان من بينهم شخص واحد فقط مدان بتهمة تهريب الأسلحة لإسرائيل هو (تشارلز وينترز) الذي أدين مع (هانك قرينسبان) و (آل شويمر) في نفس القضية التي وقعت عام 1948م وهي قضية قديمة جدا فكيف سارت أحداثها ؟
عند إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 نشبت الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها ، وخلال الحرب قام الأمريكيون الثلاثة (تشارلز وينترز) و (هانك قرينسبان) و (آل شويمر) بشراء أسلحة وتهريبها إلى إسرائيل مثلما كانت الدول العربية الأخرى تهرب الأسلحة لدعم الجانب العربي في الحرب ، فما الذي جعل دعم إسرائيل بالسلاح جريمة يستحق فاعلها العقاب في الأراضي الأمريكية ؟ الجواب هو القانون الذي تم تشريعه في عام 1939م خلال فترة الرئيس السابق (فرانكلين روزفلت) والذي يحظر على المواطنين الأمريكيين تصدير واستيراد الأسلحة بدون ترخيص من الجهة المعنية ، وينص القانون على أن عقوبة مخالفته هي السجن لمدة قد تصل إلى سنتين .
وقد تم الحكم على (تشارلز وينترز) بالسجن مدة 18 شهرا مع غرامة 5000 دولار حتى تم الإفراج عنه في نوفمبر 1949م ، وقد تم فرض غرامات مالية على (هانك قرينسبان) و (آل شويمر) بدون سجن وقد تم دفع جميع الغرامات المالية المذكورة ولكن بقيت المخالفة محفوظة في الملفات الشخصية للمدانين الثلاثة . فالعفو في الحالات الثلاث لم يتضمن إسقاطا أو تعديلا في الأحكام الصادرة في حق المدانين الثلاثة .
وقد تقدم (هانك قرينسبان) بطلب عفو من الرئيس الراحل (جون كينيدي) وتم إصداره عام 1961م ، بينما رفض (آل شويمر) أن يقدم طلب العفو لأن طلب العفو يشترط الإقرار بالخطأ وهو ما يرفض الاعتراف به ، حتى تقدم ابن المدان الأول (هانك قرينسبان) بطلب عفو من الرئيس السابق كلينتون في حق (آل شويمر) والذي منحه إياه عام 2000.
ما بالنسبة للمدان الثالث (تشارلز وينترز) فقد فارق الحياة عام 1984م دون أن يتقدم بطلب عفو إلا أن الرئيس السابق جورج دبليو بوش منحه إياه عام 2009م بعد طلب من ابنه .
إن إدانة هؤلاء الأشخاص الثلاثة دليل إضافي على حرية القضاء الأمريكي ونزاهته وأن القانون يمضي على الجميع بلا استثناء ، لأن الفعل الذي قام به هؤلاء الأشخاص لم يخرج عن إطار سياسة الحكومة الأمريكية في دعمها التام لدولة إسرائيل إلا أن المخالفة تمت بسبب عدم استخراج التصريح المطلوب لشحن الأسلحة .
إن ما فعله هؤلاء الثلاثة يعد بطولة في نظر كثير من الساسة الأمريكان اليوم !
1:57 تظهر رسالة خطية من السجين حميدان التركي لوالدته ويبدو أنها كتبت أثناء المحاكمة بسبب ورود ذكر المحامين فيها . وليس فيها غير التعبير عن مشاعر الحزن بسبب بعد السجين عن والدته ، ولست أعرف هل كان يسمح لضحيته (الإندونيسية) بإرسال رسائل التشكي والتظلم لوالدتها خلال سجنه لها أم لا ؟
2:43 تنتهي الرسالة الخطية ويبدأ الكاتب (تركي الدخيل) بالتعليق قائلا : (أمام قلب يحس بلوعة فقد والدته يحس بلوعة فقد زوجته يحس بلوعة فقد بنيات صغار وابن تركهم يدعون الله كل يوم أن يعود إليهم والدهم . والدهم الذي لم يكن مدمنا على المخدرات في يوم من الأيام بل كانت إدارة السجون في كولورادو تستعين به لكي يتعاطى مع المساجين ويخفف من عصيانهم حيث كان يدعوهم إلى إيمانيات كلنا يؤمن بها) .
هنا يتكرر الضرب على الوتر العاطفي في الفيلم الموجه إلى الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) المحامي المتخرج من كلية القانون في جامعة هارفارد ، كما تتكرر النظرة الاستعلائية التي ينظر بها القائمون على الفيلم لغيرهم من الشعوب ، فالمهم هو مشاعر والدة الجاني وبناته وابنه دون أي اعتبار لمشاعر عائلة الضحية الإندونيسية .
المحاكم الأمريكية أيها القارئ الكريم لا تعتمد في إصدار أحكامها على المشاعر والدموع والعواطف وإنما تعتمد على القانون والأدلة فقط ، لأنه من الممكن استدرار الدموع وتهييج المشاعر من قبل الجاني ومن قبل المجني عليه ، ولكن لا يمكن تزييف الأدلة أو خرق القوانين . كما أن إدمان المخدرات أخف ضررا من استعباد النساء واغتصابهن في مختلف الثقافات والأعراف لأن الضرر الشخصي أقل جرما من الضرر المتعدي .
3:19 يظهر لاعب كرة القدم (نواف التمياط) قائلا : (من هذا المنطلق نحن نطالب كأفراد أو كشارع سعودي بكافة أطيافه النظر بنفس الأمر إلى قضية حميدان التركي الذي كان يشكل قدوة لنا في مجتمعنا وكان محبا للخير) هذه هي العبارة الوحيدة في الفيلم التي يمكن أن يفهم منها براءة السجين السعودي من التهم المنسوبة إليه بوصفه بأنه (قدوة للمجتمع) في حين يركز معظم الفيلم على المطالبة بالعفو عن السجين السعودي مما يحمل رسالة ضمنية بأنه مذنب ، وهذا -إن صح- يشكل طعنا صريحا في القضاء الأمريكي لا يرضى باستماعه مواطن أمريكي واحد فضلا عن السيد الرئيس الأمريكي !
3:35 تظهر ابنة السجين من جديد تحمل صورة للرئيس الأمريكي مع عائلته وهي تتمنى مقابلته لتطلب منها العفو عن أبيها ! وأعتقد أن براءة الطفلة لم تسمح لها باستيعاب أن الولايات المتحدة الأمريكية بلد يسير تحت دستور واضح يعتمد على الحقائق والأدلة ولا يلقي اعتبارا لحزن أطفال الجناة ومناشداتهم .
3:43 عدة متحدثين : (نناشده لإطلاق سراح مواطننا وأخينا حميدان التركي لأسرته لبناته لأطفاله لزوجته لمحبيه لمواطنيه .
أعتقد أن الرئيس الأمريكي سيصنع شيئا جميلا لهذه الأسرة وللشعب السعودي وأيضا لصالح تصحيح قدر من العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي من خلال اتخاذ قرار رئاسي بالإفراج عن هذا الشاب السعودي والعودة إلى أسرته في المملكة عاجلا غير آجل .
أمل أن يتم ذلك سريعا إن شاء الله) وهذا المقطع لا يختلف عن بقية المقاطع التي تعيد وتؤكد أفضلية المواطن السعودي على غيره ! فالهدف الوحيد المطلوب هو صنع شيء جميل لأسرة السجين السعودي وللشعب السعودي حتى لو كان هذا الشيء الجميل قبيحا في حق أسرة الضحية الإندونيسية والشعب الإندونيسي ، وحتى لو أدى هذا (الشيء الجميل!) إلى أن يضحي الرئيس الأمريكي بمستقبله السياسي وبفترته الرئاسية الثانية وبأغلبية حزبه في الكونجرس ، فالشعب السعودي وحده يستحق (الأشياء الجميلة) من بين شعوب الأرض وهذه نظرة عنصرية محاربة في المجتمع الأمريكي .
كما أن اختزال العالم (الإسلامي) بأنه (السعودية) غير صحيح فعدد المسلمين في إندونيسيا يقترب من 200 مليون مسلم وهو أكثر بثمانية أضعاف من عدد مسلمي المملكة العربية السعودية . فإن كانت المسألة بالكثرة فإن احترام حق الأكثرية ممن تنتمي لهم الضحية أولى من احترام الأقلية التي ينتمي لها الجاني .
4:27 تعود الطفلة (ربى) لتقول وهي تبكي : (أحس أن بابا سيكون معي …… أكيد سيكون معي ….. لأن فرج الله قريب ) . في هذه اللحظة تخيلت الجاني وهو يتحرش بضحيته الإندونيسية التي كانت تحاول الابتعاد عنه وهي تتمنى ألا (يكون معها) في تلك اللحظات الحزينة . لقد ابتدأت معاناة الضحية الإندونيسية في منزل الجاني وهي في سن المراهقة في عمر لا يزيد عن عمر (الطفلة) ربا بأكثر من خمس سنين ، وإن دموع ابنة السجين ليست أكثر حرارة أو حزنا من دموع ضحيته .
4:38 يظهر جميع المتحدثين على التوالي وهم ينطقون باسم الرئيس الأمريكي الثلاثي (باراك حسين أوباما) في إشارة إلى اسمه الأوسط العربي (حسين) الذي يعتقدون أنه يدل على وجود علاقة من نوع خاص بين الرئيس أوباما والعرب ويعتقدون أن هذه العلاقة كافية لإقناع الرئيس الأمريكي لإطلاق سراح السجين السعودي ، وهذه أوهام بعيدة جدا عن الواقعية والمنطقية ولو كانت الأسماء والعلاقات الأسرية كافية لدفع الرئيس الأمريكي للتدخل في القضية فإن علاقة الرئيس أوباما بالإندونيسيين أكبر وأعمق من علاقته بالسعوديين ، فأخت الرئيس الأمريكي (من جهة الأم) السيدة (مايا سوتورو) إندونيسية مولودة في إندونيسيا من أب إندونيسي ، وقد عاش الرئيس الأمريكي مع عائلته في إندونيسيا من سن السادسة وحتى سن العاشرة ، وبكل تأكيد لن يؤثر الاسم الأوسط للرئيس الأمريكي ولا الجنسية التي تحملها أخته على قراراته وإن كان الأمر الأخير أوثق علاقة .
4:50 تقول الطفلة (ربى) : (أحسست أنهم سيأخذونه للأبد ولكني متفاءلة أنه سيعود) والتفاؤل أمر جميل ولكن الواقعية أجمل وأجمل .
وهنا ينتهي الفيلم وأؤكد أن ردة فعل المشاهد الأمريكي لن تخلو من أحد أمرين: ما الاندهاش الشديد المؤدي إلى عدم تصديق جدية الرسالة التي حملها الفيلم ، وإما الغضب من هذه المطالبة (الفجة) التي تستهر بقيم الحرية والعدالة والقانون الأمريكي . ولنتذكر جيدا أن السيد باراك حسين أوباما مواطن أمريكي قبل أن يكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية .
ملاحظات عامة :1. يعرف كثير من الأمريكان (أجزم أن السيد الرئيس أوباما منهم) أن القانون السعودي ينص على أن عقوبة المتزوج الذي يمارس الجنس مع غير زوجته هي الرجم بالحجارة حتى الموت ! وهذه عقوبة لا إنسانية لا يمكن مقارنتها بالحكم الذي تلقاه السيد التركي على الأراضي الأمريكية ، ويعلمون أن السيد التركي (كمسلم متدين) مؤيد لتطبيق هذا الحكم على من تثبت عليه التهمة ، وبما أن الاعتداء الجنسي ثابت في نظر القانون الأمريكي فإن كثيرا من الأمريكان يشعرون فعلا بأن السيد (التركي) محظوظ جدا لأن الحكم عليه تم في الأراضي الأمريكية وليس في الأراضي السعودية .
2. توقيت ظهور الفيلم غير موفق إطلاقا ، فالساسة الأمريكان الآن مشغولون جدا جدا بالانتخابات النصفية التي لم يبق عليه سوى أسابيع ، والسيد الرئيس (باراك أوباما) مشغول بالحملات الانتخابية الداعمة لأعضاء حزبه الديموقراطي الذي يحارب بشدة للبقاء في مركز الأغلبية في الكونجرس .
وقد تزامن ظهور الفيلم مع حادثة الخادمة السيريلانكية التي هيجت الرأي العام العالمي ضد الظروف اللاإنسانية التي يقع تحتها العمال الأجانب في السعودية ، وتزامن أيضا بالحكم بالجلد والرجم بالحجارة حتى الموت على السيدة الإيرانية (سكينة محمدي) بسبب ممارستها للجنس خارج إطار الزوجية ، وهذا كله مما يؤلب الرأي العام ضد السيد (التركي) وضد الفيلم الذي يطالب بالعفو عنه .