هذا المقال ليس للاستهلاك العربي بأي حال من الأحوال، فكلنا يعرف ماذا يعني الحذاء في الثقافة العربية، بل هو موجه لمن لا يعرف معنى الضرب بالحذاء في بلاد العم سام، وعلى رأسهم المضروب بـ"الصرماية" سيادة الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير الذي، على ما يبدو، لم يفهم أبداً مغزى ما حصل له في عاصمة الاحتلال المسماة بالمنطقة الخضراء في بغداد. كل ما أثار انتباه الرئيس بعد نجاته من ضربة الزيدي المنتظر أن مقاس الحذاء الذي أخطأ رأسه هو مقاس عشرة، لا أكثر ولا أقل. فقد كان ذلك أول تعليق له على الحادث، إذ لا قيمة في ثقافة العم سام لشيء إلا للأرقام، وليذهب كل شيء آخر إلى الجحيم. فهم يقيسون كل الأمور في هذه الدنيا بالأعداد، حتى لو كانت الكرامة أو الحب أو البطولة أو الشهامة أو النخوة.لا عجب إذن أن الرئيس اختصر نخوة الصحفي العراقي وشهامته الفذة بالرقم عشرة.
الحذاء عندنا، يا سيادة الرئيس، لا يحمل نفس المعنى لديكم، بل يحمل الكثير من المعاني السيئة للغاية، فنحن ننظر للحذاء بدونية واحتقار. فأنتم مثلاً في لغتكم الانجليزية لديكم مصطلح يقول: "If you were in my shoes"، أي لو كنت مكاني، ومعاذ الله أن نترجم مصطلحكم حرفياً إلى العربية فيصبح "لو كنت في حذائي". وهذه إهانة كبرى للعربي لا يمحوها سوى ضرب قائلها بالحذاء.
الحذاء في ثقافتنا، يا سيادة الرئيس، وصف نطلقه مرفقاً بعبارة "أعزكم الله"، أو "أكرمكم الله"، لأنها، كمفردة الكلب التي وصفكم بها الضارب، كلمة مثيرة للاشمئزاز والقرف والتعوذ وحاملة للنجاسة، لا سيما وأننا قد ندعس بالنعال أو نطأ به الوحل والأماكن القذرة فيغدو نجساً. ولا ندري أين دعس الزيدي المنتظر بحذائه التاريخي قبل أن يخطأ رأسكم الرئاسي بسنتيمترات. وقد صلى رسولنا الكريم (ص) ذات مرة، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال لهم: "لم خلعتم؟" قالوا: "رأيناك خلعت فخلعنا"، فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاَ".
وفي أدبياتنا الدينية الشعبية، يا سيادة الرئيس، فإن الشخص الذي يستخدم الحذاء لضرب أحد الوالدين قد يلقى جزاء خطيراً نظراً لما يتمتع به الحذاء من سمعة سيئة في ثقافتنا وديننا. ويُروى أن أحدهم ضرب أمه بالحذاء، فكانت المفاجأة في اليوم التالي عندما استيقظ الشاب اكتشف أنه لا يستطيع أن يحرك يده اليمنى، فقد أصيبت بالشلل التام. وفي ذلك عبرة شعبية كبيرة بأن استخدام ذلك الشيء النجس المسمى الحذاء لضرب الوالدين قد ينتهي إلى عواقب وخيمة على الفاعل. لكن أرجو يا سيادة الرئيس أن لا تسيء فهم الموعظة أعلاه كما تفعلون عادة، فضرب الأم أو الأب بـ"الجزمة" لهو جرم كبير في أدبياتنا، لكنه يصبح عملاً بطولياً تاريخياً في ثقافتنا عندما يتم استخدام "الصرماية" لضرب المستعمرين والغزاة من أمثالكم، لا بل يكتسب صاحب الفعل سمعة طيبة للغاية، هذا إن لم يدخل التاريخ العربي من أوسع أبوابه، كما سيحدث لضاربكم بالجزمة قياس عشرة الزيدي المنتظر.
صحيح أن السواد الأعظم من الشعب العربي، يا سيادة الرئيس، تمنى لو ضربكم المنتظر بشيء أقسى من الحذاء، كما رأيت في الكثير من التعليقات والرسوم الكرتونية، لكن الجميع في غاية السعادة لأن المنتظر ضربكم بـ"القندرة" العراقية، لا بشيء آخر، فلا تتصور كم هو عمل بطولي في ديدننا أن تضرب غازيك بالقبقاب المذموم، أو "الجوتي".
إن الحذاء في عرفنا، يا سيادة الرئيس، شيء قذر للغاية إلى حد أن الذين يحبون أو يقدرون شخصاً ما كثيراً جداً لا يمانعون في تقبيل حذائه كاعتراف قوي منهم بحبهم أو تبجيلهم له. أي أنه حتى تقبيل الحذاء الذي ندوس به على الأوساخ يهون في حب شخص ما.
وإذا أراد شخص عربي، يا سيادة الرئيس، أن يستهزئ بأمر ما يقول: "وصرمايتي، وجزمتي، وكندرتي، وكلاشي، وسكربينتي، أو لنعلي، أو لصرمايتي". ولهذا الاستهزاء وقع قوي للغاية على سمع العربي، ربما أقوى من وقع صواريخ كروز الأمريكية على بيوت المدنيين الأبرياء في العراق وأفغانستان.
إن أكبر إهانة يمكن أن توجهها لشخص عربي، أيها الرئيس، هو أن تضربه بفردة حذاء، ولا شك، أن أي عربي سيفضل أن يموت بقصف جوي، على أن يقضي نحبه بصرماية على منطقة حساسة في رأسه، وهو ما كاد أن يحدث لكم في عاصمة احتلالكم، لولا أن الحذاء ذا المقاس عشرة لم يكن ذكياً بما فيه الكفاية كقنابلكم العنقودية، فأخطأ هدفه، وضرب الجدار البريء خلفكم، تماماً كما تفعل أسلحتكم الذكية عادة التي تقتل، في معظم الأحيان، الأبرياء، وتخطئ الهدف الحقيقي.
إن حذاء الصحفي العراقي الذي أصبح أشهر من نار على علم بين ليلة وضحاها غدا، يا سيادة الرئيس، حذاء تاريخياً بكل ما في الكلمة من معنى، فلا يضاهيه في الشهرة حتى الآن في عالم الأحذية سوى حذاء الزعيم السوفييتي الشهير نيكيتي خوروتشوف الذي خلعه على مرأى زعماء العالم عام 1960، ومنهم زعيمكم وقتها جون كندي على ما أذكر، وراح يضرب به منصة الأمم المتحدة بعنف.
لا تقل لي يا سيادة الرئيس أن حذاء أساطير كرة القدم كبيليه أو مارادونا أغلى من حذاء المنتظر الزيدي بالنسبة للإنسان العربي. لا أبداً، فالحذاء الذي طار باتجاهكم، وكاد أن يصيب هامتكم، لولا أنكم أخفضتموها ببراعة، أغلى على قلب العرب من كل الأحذية الرياضية الذهبية، حتى لو كانت مرصعة بالألماس. وصدقني أن ملايين العرب مستعدون الآن أن يبيعوا أغلى ما يملكون مقابل أن يحصلوا على قطعة من قندرة الزيدي المنتظر، رغم سوء سمعة الحذاء في ثقافتنا، فصرماية الزيدي المنتظر، يا سيادة الرئيس، ليست أبداً ككل الصرامي.