قال تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير"
إن الانتقال من مكان إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى يُعد أمرا صعبا للغاية عند أغلبية الناس . فالاعتياد على جو معين ووسط معين يضفى نوعا من الشعور بالراحة والاستقرار النفسي ،إلا أنه في حياتنا الكثير من المحطات التي يجب أن نقف عندها لكي نستقل قطارا أو نركب آخر .. وكل هذه المحطات تحتاج إلى الدعم المعنوي والإعداد النفسي في جميع مراحلها .
سأتحدث هنا عن إحدى أهم المحطات في حياتنا كأمهات :ألا و هي دخول الطفل إلى المدرسة .
اليوم الأول في المدرسة كلنا كأمهات نتذكر اليوم الذي تركنا فيه أطفالنا لأول مرة في المدرسة
موقف صعب جدا و محزن للغاية، فتصوري فقط الطفل يبكي وهو يترك أمه لأنه وُضع في مكان يجهله وفي عالم أكبر منه، والأم من جهتها تجهش بالبكاء، لأنها تشعر وكأنها مذنبة وتحس وكأن أحدهم أخذ قطعة من كبدها صورة في غاية الحزن و الكآبة.فغالبا ما يترك اليوم الأول من المدرسة شعورا أشبه بالانسلاخ ولا تمر الأيام الأولى من التحاق الطفل بمدرسته من دون دموع غزيرة، سواء في عيون الأهل أو عيون الأطفال.
هذا اليوم البعض يسميه الفطام الثاني،ففيه يبدأ انفصال الطفل عن أمه للمرة الثانية، وهو خطوة مهمة وأساسية في حياة الطفل وحياة أهله على حد السواء،فإن معاناة الفراق التي يشعر بها الطفل والخوف أو الرهبة التي تنتابه من هذا العالم الجديد الذي سيدخله، تظهر بلا شك في أساليب متعددة في الأيام الأولى لبدء العام الدراسي، بالبكاء ورفض المدرسة التي يعتقد الطفل بأنها المكان الذي سيبعده عن أمه وعائلته، وقد يدفعه هذا الاعتقاد إلى ذلك التصرف وربما يلجأ إلى سلوك عدواني وعنيف.
يُرجع العلماء النفسيون إلى أن سبب المشكلات التي يعانيها الطفل في عامه المدرسي الأول وخصوصا في الأيام الأولى إلى أمور عدة، أهمها الإحساس بـالهجر الذي يشعر به عندما يبتعد عن أهله ويعتقد أن أمه تخلت عنه، إضافة إلى خروجه من الإطار العائلي حيث الطمأنينة والأمان إلى عالم جديد لا يعرف عنه شيئا، ما يشعره بـفقدان خصوصيته ومكانته التي تمنحه إياها عائلته، أي أنه يضيع في وسط مجموعة من الأطفال فيصبح غير مألوف بينهم، بعدما كان ملًكا بين أفراد أسرته. أمام هذا الواقع وتداركاً لهذه المشكلات، تشهد العائلات التي تُحضّر أحد أبنائها لدخول المدرسة للمرة الأولى استنفارا لتهيئة الطفل نفسيا ومعنويا لتقبل هذا العالم الجديد
كيف نهيئ أنفسنا و أطفالنا لهذا اليوم ؟ هذه أفكار أبثها لكم، خلاصة تجربتي و تجارب من هم حولي، في رأيي يمكنك تهيئة الجو في البيت بالحديث الدافئ مع طفلك عن أيام مدرستك و ذكرياتك الجميلة فيها .. و كيف هو حبك لمدرساتك .. ويمكن مشاركة الأب في ذلك أيضا .. ليعطى الطفل حافزا قويا و شوقا لذلك اليوم. لأن الأطفال في هذه المرحلة يقلدون من هم أكبر منهم و خصوصا الوالدين.
ويوصى الكثيرون أن من مدعاة سرور الطفل و تحبيبه إلى المدرسة هو اقتناء المستلزمات المدرسية .. كحقيبة جميلة و دفاتر ملونة و أقلام و غيرها .. فتملّك هذه الأشياء تشعره بتقليد غيره وبالتالي حبه للسبب الأساسي لها وهو المدرسة،
و يجب الحرص على عدم ذكر كل ما يرهبه منها أمامه : كالامتحانات و الواجبات البيتية و غيرها من الأمور المنفرة،بل يجب أن يتشبع الطفل بالوعود الجميلة بانتظار ذلك اليوم غير العادى، كانتظار المكافآت و الهدايا من العائلة و الأصدقاء بالمناسبة و الكلمات التشجيعية و غيرها .
الحضانة أو الروضة للروضة أو الحضانة دور مهم في تخفيف حدة مشاعر الأيام الأولى في المدرسة، فهي خطوة تمهيدية لما قبل المدرسة وانفصال تدريجي عن البيت، كما أنها تسهل على الطفل تلقى المواد التعليمية التي سيتلقاها في المدرسة فيما بعد، و لعل أهم نقطة هنا ـ من وجهة نظري ـ هي تعود الطفل على الاستماع للتعليمات و تنفيذها و كذلك الاعتماد على الذات في بعض شئونه، والتعود على المشاركة و احترام الآخرين و الكثير من السلوكيات الاجتماعية اللطيفة، كطرق الباب قبل الدخول، و الشكر بعد تلقى الخدمة أو الطعام مرورا بالتحية والعبارة المهذبة التي يتم تعليمهم إياه.
بعد التسجيل في المدرسة : فعلى المدارس دعوة الأهل والأطفال قبل بدء العام الدراسي لرؤية المدرسة بجميع مرافقها، بما فيها الغرفة والمقعد الذي سيشعره الطفل منذ يومه الأول، وتمهد هذه الخطوة عملية تعريف الطفل بالعالم الجديد الذي ينتظره، ويتم التركيز على الزوايا الخاصة باللعب في الغرفة، لتشجيعه على المجيء إلى المدرسة، وخلال الزيارة الأولى يختلط الأطفال مع أصدقائهم الجدد. فهذه الخطوة تمهد على الأطفال الطريق لبدء مشوارهم الدراسي الطويل. فهذه الخطوة مهمة جدا لكسر حاجز الغموض بين الطفل وذلك المكان المجهول (بالنسبة له) ما يسمى بالمدرسة.
اليوم الأول و ما بعده كل الأمهات أو أغلبهن على الأقل يصررن على مرافقة أبنائهن في اليوم الأول .. و هذا أمر طبيعي جدا، فالعلاقة بين الطفل والأم أشد قوة والوقت الذي يمضيه معها هو أطول، الأمر الذي يجعل هذه اللحظات صعبة جدا على الطرفين.
و المدارس غالبيتها تسمح للأمهات أو الآباء أن يبقوا مع أولادهم في الأيام الأولى لبعض الوقت ، كما أنهم يسمحون للطفل بالعودة المبكرة للبيت .. و كل هذا لكسر ذلك الخوف والوحشة التي تمثلها المدرسة له. فالبقاء مع الطفل يشعره بالراحة و الأمان و كذلك الاطمئنان بأن المكان آمن و مريح .. فبعد قليل من الوقت ينسى الأمر ويندمج مع الآخرين و يصبح الأمر عاديا .
همسة أخيرة
أختي الأم ... تشجعي و تجلدي بالصبر أمام ابنك .. فدموعك أمامه تشعره بضعفك و بالتالي الخوف أكثر
منقووووووووووووولـ